«كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ إِلَى زَمَانٍ شَاهَدْتَ فِيهِ نَاسًا
لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ؟!»
قَالَ الإمام أبُو
عبد الله عُبيد الله بن مُحمَّد العُكْبَريُّ (ت: 378هـ) -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:
«حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ ثَابِتٍ،
قَالَ: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-،
يَقُولُ: "كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ إِلَى زَمَانٍ شَاهَدْتَ فِيهِ نَاسًا
لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَلَا بَيْنَ
الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَلَا بَيْنَ الْأَمِينِ وَالْخَائِنِ، وَلَا بَيْنَ
الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ، وَلَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُونَ
مُنْكَرًا؟"».اهـ.
قَالَ الإمام ابن بطَّة -رَحِمَهُ
اللهُ- مُعقبًا: «فَإِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَإِنَّا قَدْ بَلَغَنَا ذَلِكَ، وَسَمِعْنَاهُ،
وَعَلِمْنَا أَكْثَرَهُ، وَشَاهَدْنَاهُ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ وَهَبَ
اللَّهُ لَهُ عَقْلًا صَحِيحًا، وَبَصَرًا نَافِذًا، فَأَمْعَنَ نَظَرَهُ
وَرَدَّدَ فِكْرَهُ، وَتَأَمَّلَ أَمْرَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلَهُ، وَسَلَكَ
بِأَهْلِهِ الطَّرِيقَ الْأَقْصَدَ، وَالسَّبِيلَ الْأَرْشَدَ لَتَبَيَّنَ لَهُ
أَنَّ الْأَكْثَرَ وَالْأَعَمَّ الْأَشْهَرَ مِنَ النَّاسِ قَدْ نَكَصُوا عَلَى
أَعْقَابِهِمْ، وَارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ، فَحَادُوا عَنِ الْمَحَجَّةِ، وَانْقَلَبُوا
عَنْ صَحِيحِ الْحُجَّةِ، وَلَقَدْ أَضْحَى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَسْتَحْسِنُونَ
مَا كَانُوا يَسْتَقْبِحُونَ، وَيَسْتَحِلُّونَ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ،
وَيَعْرِفُونَ مَا كَانُوا يُنْكِرُونَ، وَمَا هَذِهِ رَحِمَكُمُ اللَّهُ
أَخْلَاقَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا أَفْعَالَ مَنْ كَانُوا عَلَى بَصِيرَةٍ فِي
هَذَا الدِّينِ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَالْيَقِينِ».اهـ.
([«الإبانة الكبرىٰ» لابن بطَّة / (188/1، 24)])