«ما تُكره فيه المُناظرة والجدال والمِراء»
قال أبو عمر، ابن
عبد البر (ت: 463هـ) -رَحِمَهُ اللَّـهُ تَعَالَىٰ-: "الآثار
كلّها في هذا الباب المروية عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّما
وردت في النَّهي عن الجدال والمراء في القرآن، وروى سعيد بن المسيّب، وأبو سلمة، عن
أبي هريرة -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أنَّهُ قالَ: ((المراء في القرآن كفر)). ولا يصحّ فيه عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير
هذا بوجه من الوجوه.
• والمعنىٰ: إنَّما
يتمارىٰ اثنان في آية يجحدها أحدهما ويدفعها ويصير فيها إلىٰ الشَّك، فذلك هو المراء
الَّذي هو الكفر.
• وأمَّا التنازع في أحكام القرآن ومعانيه: فقد تنازع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
كثير من ذلك.
• وهذا يُبيّن لك أنَّ المراء الَّذي هو الكفر: هو الجحود والشَّكّ، كما قالَ عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ
كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ﴾ ﴿الحج: ٥٥﴾، والمراء
والملاحاة غير جائز شيء منهما، وهما مذمومان بكل لسان، ونهىٰ السَّلف رَضِيَ اللَّـهُ
عَنْهُمْ عن الجدال في اللَّـه جلّ ثناؤه وفي صفاته وأسمائه.
• وأمَّا الفقه: فأجمعوا
على الجدال فيه والتَّناظر؛ لأنَّهُ علمٌ يحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة
إلىٰ ذلك وليس الاعتقادات كذلك؛ لأنَّ اللَّـه عزَّ وجلَّ لا يُوصف عند جماعة أهل السُّنَّة
إلَّا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسول اللَّـه صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
أو أجمعت الأمَّة عليه، وليسَ كمثلهِ شيءٌ فيُدرك بقياس أو بإنعام نظر، وقد نُهينا عن
التَّفكّر في اللَّـه، وأُمرنا بالتَّفكّر في خلقه الدَّال عليه، وللكلام في ذلك موضع
غير هذا إنْ شاء اللَّـه، والدِّين الَّذي هو الإيمان باللَّـه وملائكته وكتبه ورسله
والبعث بعد الموت لليوم الآخر، وقد وصل إلىٰ العذراء في خدرها، والحمدُ للَّـه".اهـ.
(["جامع
بيان العلم وفضله": (156/3)، "بابُ ما تُكره فيه المُناظرة والجدال والمِراء"])