«وَاعْلَمْ! أنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ هَلَاكُ الجَهْمِيَّةِ؛ مِنْ أَنَّهُمْ
فَكَّرُوا فِي الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَأَدْخَلُوا: لِمَ؟ وَكَيْفَ؟ وَتَرَكُوا الْأَثَرَ»
قَالَ البربهاريُّ (ت: 329هـ) -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىٰ-:
"وَاعْلَمْ! أنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ هَلَاكُ الجَهْمِيَّةِ؛ مِنْ أَنَّهُمْ فَكَّرُوا فِي الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَأَدْخَلُوا: لِمَ؟ وَكَيْفَ؟ وَتَرَكُوا الْأَثَرَ، وَوَضَعُوا الْقِيَاسَ، وَقَاسُوا الدِّينَ عَلَى رَأْيِهِمْ، فَجَاءُوا بِالْكُفْرِ عَيَانًا، لَا يَخْفَى، فَكَفَّروا وَكَفَّرُوا الْخَلْقَ، وَاضْطَرَّهُمُ الْأَمَرُ إِلَىٰ أنْ قَالُوا بِالتَّعْطِيلِ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، -مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ-: الْجَهْمِيّ كَافِرٌ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِبَلَةِ، حَلَالُ الدَّم، لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، لأَنَّهُ قَالَ: لا جُمْعَةَ وَلَا جَمَاعَةَ، وَلَا عِيدَيْنِ، وَلَا صَدَقَةَ، وَقَالُوا: مَنْ لَمْ يَقُلْ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافرٌ؛ وَاسْتَحَلُّوا السَّيْفَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالَفُوا مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، وَامْتَحَنُوا النَّاسَ بِشَيءٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَرَادُوا تَعْطِيلَ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ، وَأَوْهَنُوا الْإِسْلَامَ، وَعَطَّلُوا الْجِهَادَ، وَعَمِلُوا فِي الْفُرْقَةِ، وَخَالَفُوا الْآثَارَ، وَتَكَلَّمُوا بِالْمَنْسُوخِ، وَاحْتَجُّوا بِالْمُتَشَابِهِ، فَشَكَّكُوا النَّاسَ فِي أَدْيَانِهِمْ، وَاخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ، وَقَالُوا: لَيْسَ هُنَاكَ عَذَابُ قَبْرٍ، وَلَا حَوْضًا وَلَا شَفَاعَةٌ، وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ لْمْ يُخْلَقَا، وَأنْكَرُوا كَثِيرًا مِمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَحَلَّ مَنِ اسْتَحَلَّ تَكْفِيرَهُمْ وَدِمَائَهُمْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ رَدَّ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّـهِ فَقَدْ رَدَّ الْكِتَابَ كُلَّهُ، وَمنْ رَدَّ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَدَّ الْأَثَرَ كُلَّهُ، وَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّـهِ الْعَظِيمِ، فَدَامَتْ لَهُمُ المُدَّةُ، وَوَجَدُوا مِنَ السُّلْطَانِ مَعُونَةً عَلَىٰ ذَلِكَ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ وَالسَّوْطَ عَلَى مَنْ دُونَ ذَلِكَ؛ فَدَرَسَ عِلْمُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَوْهَنُوهُا، فَصَارُوا مَكْتُومِين، لإِظْهَارِ الْبِدَعِ وَالْكَلَامِ فِيهَا، وَلِكَثْرَتِهِمْ فَاتَّخَذُوا الْمَجَالِسَ، وَأَظْهَرُوا آرَاءَهُمْ، وَوَضَعُوا فِيهَا الْكُتُبَ، وَأَطْمَعُوا النَّاسَ، وَطَلَبُوا لْهُمْ الرِّيَاسَةَ، فَكَانَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ، لَمْ يَنْجُ مِنْهَا إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّـهُ، فَأَدْنَى مَا كَانَ يُصِيبُ الرَّجُلَ مِنْ مُجَالَسَتِهِمْ أَنْ يَشُكَّ فِي دِينِهِ، أَوْ يُتَابِعَهُمْ، أَوْ يَرَىٰ رَأْيَهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَلَا يَدْرِي أنَّهُمْ عَلَىٰ حَقٍّ أَوْ عَلَىٰ بِاطِلٍ، فَصَارَ شَاكًّا، فَهَلَكَ الْخَلْقُ، حَتَّى كَانَتْ أَيَّامُ جَعْفَرَ ([1])، -الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْمُتَوَكِّلُ-، فَأَطْفَأَ اللَّـهُ بِهِ الْبِدَعَ، وَأَظْهَرَ بِهِ الْحَقَّ، وَأَظْهَرَ بِهِ أَهْلَ السُّنَّةِ، وَطَالَتْ أَلْسِنَتُهُمْ مَعَ قِلَّتِهِمْ، وَكَثْرَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا؛ فَالرَّسْمُ وَالْبِدَعُ وَأَهْلُ الضَّلَالَةِ قَدْ بَقِيَ مِنْهُمْ، قَوْمٌ يَعْمَلُونَ بِهَا، وَيَدْعُونَ إِلَيْهَا، لَا مَانِعَ يَمْنَعُهُمْ، وَلَا حَاجِزَ يَحْجُزُهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ، وَيَعْمَلُونَ".اهـ.
"وَاعْلَمْ! أنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ هَلَاكُ الجَهْمِيَّةِ؛ مِنْ أَنَّهُمْ فَكَّرُوا فِي الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَأَدْخَلُوا: لِمَ؟ وَكَيْفَ؟ وَتَرَكُوا الْأَثَرَ، وَوَضَعُوا الْقِيَاسَ، وَقَاسُوا الدِّينَ عَلَى رَأْيِهِمْ، فَجَاءُوا بِالْكُفْرِ عَيَانًا، لَا يَخْفَى، فَكَفَّروا وَكَفَّرُوا الْخَلْقَ، وَاضْطَرَّهُمُ الْأَمَرُ إِلَىٰ أنْ قَالُوا بِالتَّعْطِيلِ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، -مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ-: الْجَهْمِيّ كَافِرٌ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِبَلَةِ، حَلَالُ الدَّم، لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، لأَنَّهُ قَالَ: لا جُمْعَةَ وَلَا جَمَاعَةَ، وَلَا عِيدَيْنِ، وَلَا صَدَقَةَ، وَقَالُوا: مَنْ لَمْ يَقُلْ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافرٌ؛ وَاسْتَحَلُّوا السَّيْفَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالَفُوا مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، وَامْتَحَنُوا النَّاسَ بِشَيءٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَأَرَادُوا تَعْطِيلَ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ، وَأَوْهَنُوا الْإِسْلَامَ، وَعَطَّلُوا الْجِهَادَ، وَعَمِلُوا فِي الْفُرْقَةِ، وَخَالَفُوا الْآثَارَ، وَتَكَلَّمُوا بِالْمَنْسُوخِ، وَاحْتَجُّوا بِالْمُتَشَابِهِ، فَشَكَّكُوا النَّاسَ فِي أَدْيَانِهِمْ، وَاخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ، وَقَالُوا: لَيْسَ هُنَاكَ عَذَابُ قَبْرٍ، وَلَا حَوْضًا وَلَا شَفَاعَةٌ، وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ لْمْ يُخْلَقَا، وَأنْكَرُوا كَثِيرًا مِمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَحَلَّ مَنِ اسْتَحَلَّ تَكْفِيرَهُمْ وَدِمَائَهُمْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ رَدَّ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّـهِ فَقَدْ رَدَّ الْكِتَابَ كُلَّهُ، وَمنْ رَدَّ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَدَّ الْأَثَرَ كُلَّهُ، وَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّـهِ الْعَظِيمِ، فَدَامَتْ لَهُمُ المُدَّةُ، وَوَجَدُوا مِنَ السُّلْطَانِ مَعُونَةً عَلَىٰ ذَلِكَ، وَوَضَعُوا السَّيْفَ وَالسَّوْطَ عَلَى مَنْ دُونَ ذَلِكَ؛ فَدَرَسَ عِلْمُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَوْهَنُوهُا، فَصَارُوا مَكْتُومِين، لإِظْهَارِ الْبِدَعِ وَالْكَلَامِ فِيهَا، وَلِكَثْرَتِهِمْ فَاتَّخَذُوا الْمَجَالِسَ، وَأَظْهَرُوا آرَاءَهُمْ، وَوَضَعُوا فِيهَا الْكُتُبَ، وَأَطْمَعُوا النَّاسَ، وَطَلَبُوا لْهُمْ الرِّيَاسَةَ، فَكَانَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ، لَمْ يَنْجُ مِنْهَا إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّـهُ، فَأَدْنَى مَا كَانَ يُصِيبُ الرَّجُلَ مِنْ مُجَالَسَتِهِمْ أَنْ يَشُكَّ فِي دِينِهِ، أَوْ يُتَابِعَهُمْ، أَوْ يَرَىٰ رَأْيَهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَلَا يَدْرِي أنَّهُمْ عَلَىٰ حَقٍّ أَوْ عَلَىٰ بِاطِلٍ، فَصَارَ شَاكًّا، فَهَلَكَ الْخَلْقُ، حَتَّى كَانَتْ أَيَّامُ جَعْفَرَ ([1])، -الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْمُتَوَكِّلُ-، فَأَطْفَأَ اللَّـهُ بِهِ الْبِدَعَ، وَأَظْهَرَ بِهِ الْحَقَّ، وَأَظْهَرَ بِهِ أَهْلَ السُّنَّةِ، وَطَالَتْ أَلْسِنَتُهُمْ مَعَ قِلَّتِهِمْ، وَكَثْرَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا؛ فَالرَّسْمُ وَالْبِدَعُ وَأَهْلُ الضَّلَالَةِ قَدْ بَقِيَ مِنْهُمْ، قَوْمٌ يَعْمَلُونَ بِهَا، وَيَدْعُونَ إِلَيْهَا، لَا مَانِعَ يَمْنَعُهُمْ، وَلَا حَاجِزَ يَحْجُزُهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ، وَيَعْمَلُونَ".اهـ.
(["شَرح
السُّنَّة" / (44،43/1) / (77،78)])
[1] هو جعفر بن محمد بن هارون
الرَّشيد، الخليفة العبَّاسي، أبو الفضل، ولد سنة (207هـ)، أو (205هـ)، بويع له عند
موت أخيه الواثق سنة (232هـ). قال خليفة بن خياط: "استخلف المتوكّل فأظهر السّنّة
وتُكلم بها في مجلسه، وكتب إلى الآفاق برفع المحنة وبسط السّنّة ونصر أهلها".
انظر "سير أعلام النبلاء" (12/30)، و"المنتظم"
(11/178).