«التَّحْذِيرُ مِنْ طَوَائِفَ يُعَارِضُونَ
سُنَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى
وَشِدَّةُ الْإِنْكَارِ عَلَى هَذِهِ الطَّبَقَةِ!»
قَالَ الْإِمَامُ
أَبُو بَكْر، مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْآجُرِّيُّ (ت: 360هـ)، رَحِمَهُ اللهُ
تَعَالَى:
"يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ
إِذَا سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، فَعَارَضَ إِنْسَانٌ
جَاهِلٌ فَقَالَ: لَا أَقْبَلُ إِلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى،
قِيلَ لَهُ: أَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ، وَأَنْتَ مِمَّنْ يُحَذِّرُنَاكَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَذَّرَ مِنْكَ الْعُلَمَاءُ!
وَقِيلَ
لَهُ:
يَا جَاهِلُ! إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَرَائِضَهُ جُمْلَةً، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا أَنْزَلَ
إِلَيْهِمْ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ﴾ ﴿النَّحل: 44﴾، فَأَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ مَقَامَ الْبَيَانِ عَنْهُ، وَأَمَرَ الْخَلْقَ بِطَاعَتِهِ،
وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاهُمْ
عَنْهُ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا
نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ ﴿الحشر: 7﴾.
ثُمَّ
حَذَّرَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ
أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمُ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
﴿النُّور: 63﴾،
وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ
حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
﴿النِّساء: 65﴾.
ثُمَّ فَرَضَ عَلَى الْخَلْقِ
طَاعَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا
مِنْ كِتَابِهِ تَعَالَى.
وَقِيلَ لِهَذَا الْمُعَارِضِ
لَسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا جَاهِلُ! قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ ﴿البقرة: 43﴾، أَيْنَ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى
أَنَّ الْفَجْرَ رَكْعَتَانِ، وَأَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعٌ، وَالْعَصْرَ أَرْبَعٌ،
وَالْمَغْرِبَ ثَلَاثٌ، وَأَنَّ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أَرْبَعٌ؟
أَيْنَ تَجِدُ
أَحْكَامَ الصَّلَاةِ وَمَوَاقِيتَهَا، وَمَا يُصْلِحُهَا وَمَا يُبْطِلُهَا
إِلَّا مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
وَمِثْلُهُ الزَّكَاةُ،
أَيْنَ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ
دَرَاهِمَ، وَمِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ، وَمِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ
شَاةٌ، وَمِنْ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةٌ، وَمِنْ جَمِيعِ أَحْكَامِ الزَّكَاةِ،
أَيْنَ تَجِدُ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟
وَكَذَلِكَ
جَمِيعُ فَرَائِضِ اللَّهِ، الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، لَا
يُعْلَمُ الْحُكْمُ فِيهَا إِلَّا بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هَذَا قَوْلُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا خَرَجَ عَنْ
مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَدَخَلَ فِي مِلَّةِ الْمُلْحِدِينَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ
مِنَ الضَّلَالَةِ بَعْدَ الْهُدَى!
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ صَحَابَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِثْلُ مَا
بَيَّنْتُ لَكَ فَاعْلَمْ ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ
الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ
سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا
أَلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَبْلُغُهُ الْأَمْرُ
عَنِّي، فَيَقُولَ: مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ لَمْ أَجِدْ
هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى)".اهـ.
["الشَّريعة"
(413،410/1)، "بَابُ التَّحْذِيرِ مِنْ طَوَائِفَ يُعَارِضُونَ سُنَنَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَشِدَّةِ
الْإِنْكَارِ عَلَى هَذِهِ الطَّبَقَةِ"]
عَصَمَنَا اللهُ
وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ.