«اعْتِقَادُ
أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ»
قَالَ الشَّيْخُ الْحَافِظُ
أَبُو الْقَاسِمِ، هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَنْصُورٍ الطَّبَرِيُّ (ت:
418هـ)، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
"أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّكَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدٍ الدَّقِيقِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَبُو الْعَنْبَرِ،
قِرَاءَةً مِنْ كِتَابِهِ، فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَنَةَ ثَلَاثٍ
وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الْمِنْقَرِيُّ بِتِنِّيسَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ
الْعَطَّارُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ
حَنْبَلٍ يَقُولُ:
• أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا: التَّمَسُّكُ بِمَا
كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَتَرْكُ الْبِدَعِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ،
وَتَرْكُ الْخُصُومَاتِ وَالْجُلُوسِ مَعَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ، وَتَرْكُ
الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ، وَالسُّنَّةُ
عِنْدَنَا آثَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ، وَهِيَ
دَلَائِلُ الْقُرْآنِ، وَلَيْسَ فِي
السُّنَّةِ قِيَاسٌ، وَلَا تُضْرَبُ لَهَا الْأَمْثَالُ، وَلَا تُدْرَكُ بِالْعُقُولِ
وَلَا الْأَهْوَاءِ، إِنَّمَا هِيَ الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الْهَوَى.
• وَمِنَ السُّنَّةِ اللَّازِمَةِ الَّتِي مَنْ تَرَكَ مِنْهَا
خَصْلَةً لَمْ يَقُلْهَا وَيُؤْمِنْ بِهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا:
الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْأَحَادِيثِ
فِيهِ، وَالْإِيْمَانُ بِهَا، لَا يُقَالُ لِمَ وَلَا كَيْفَ؟، إِنَّمَا هُوَ
التَّصْدِيقُ بِهَا وَالْإِيمَانُ بِهَا، وَمَنْ لَمْ
يَعْرِفْ تَفْسِيرَ الْحَدِيثِ وَيَبْلُغْهُ عَقْلُهُ فَقَدْ كُفِيَ ذَلِكَ
وَأُحْكِمَ لَهُ، فَعَلَيْهِ الْإِيمَانَ بِهِ وَالتَّسْلِيمَ لَهُ، مِثْلُ
حَدِيثِ الصَّادِقِ وَالْمَصْدُوقِ، وَمَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الْقَدَرِ، وَمِثْلُ
أَحَادِيثِ الرُّؤْيَةِ كُلِّهَا، وَإِنْ نَبَتْ عَنِ الْأَسْمَاعِ وَاسْتَوْحَشَ
مِنْهَا الْمُسْتَمِعُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِهَا، وَأَنْ لَا يَرُدَّ
مِنْهَا جُزْءًا وَاحِدًا وَغَيْرَهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَأْثُورَاتِ عَنِ
الثِّقَاتِ، لَا يُخَاصِمُ أَحَدًا وَلَا يُنَاظِرُهُ وَلَا يَتَعَلَّمُ الْجَدَلَ،
فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَدَرِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْقُرْآنِ وَغَيْرِهَا مِنَ
السُّنَنِ مَكْرُوهٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَا يَكُونُ صَاحِبُهُ إِنْ أَصَابَ
بِكَلَامِهِ السُّنَّةَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ حَتَّى يَدَعَ الْجَدَلَ
وَيُسَلِّمَ وَيُؤْمِنَ بِالْآثَارِ.
• وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ،
وَلَا تَضْعُفْ أَنْ تَقُولَ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، فَإِنَّ كَلَامَ اللَّهِ مِنْهُ وَلَيْسَ
مِنْهُ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ، وَإِيَّاكَ وَمُنَاظَرَةَ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ، وَمَنْ
قَالَ بِاللَّفْظِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ: «لَا أَدْرِي مَخْلُوقٌ
أَوْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ»، وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
• وَالْإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ
الصِّحَاحِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَأَى
رَبَّهُ، وَأَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ صَحِيحٌ، رَوَاهُ قَتَادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ
الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ، وَرَوَاهُ عَلِيُّ
بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالْحَدِيثُ عِنْدَنَا عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا
جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْكَلَامُ فِيهِ
بِدْعَةٌ، وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهِ كَمَا جَاءَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا نُنَاظِرْ
فِيهِ أَحَدًا.
• وَالْإِيمَانُ بِالْمِيزَانِ كَمَا جَاءَ:
يُوزَنُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَا يُوزَنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ،
وَتُوزَنُ أَعْمَالُ الْعِبَادِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ. وَالْإِيمَانُ بِهِ
وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّنْ رَدَّ ذَلِكَ، وَتَرْكُ
مُجَادَلَتِهِ.
• وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُكَلِّمُ الْعِبَادَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ
تُرْجُمَانٌ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
• وَالْإِيمَانُ بِالْحَوْضِ، وَأَنَّ لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْضًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرِدُ عَلَيْهِ
أُمَّتُهُ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، آنِيَتُهُ كَعَدَدِ نُجُومِ
السَّمَاءِ، عَلَى مَا صَحَّتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
• وَالْإِيمَانُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَنَّ هَذِهِ
الْأُمَّةَ تُفْتَنُ فِي قُبُورِهَا، وَتُسْأَلُ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ،
وَمَنْ رَبُّهُ، وَمَنْ نَبِيُّهُ، وَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ كَيْفَ شَاءَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَكَيْفَ أَرَادَ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
• وَالْإِيمَانُ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِقَوْمٍ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا
احْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا، فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ عَلَى بَابِ
الْجَنَّةِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ، كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ وَكَمَا شَاءَ،
إِنَّمَا هُوَ الْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
• وَالْإِيمَانُ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ خَارِجٌ،
مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ فِيهِ،
وَالْإِيمَانُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ، وَأَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَنْزِلُ
فَيَقْتُلُهُ بِبَابِ لُدٍّ.
• وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ،
كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ: «أَكْمَلُ
الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».
• وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ
مِنَ الْأَعْمَالِ شَيْءٌ تَرْكُهُ كُفْرٌ إِلَّا الصَّلَاةَ، مَنْ تَرَكَهَا
فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ قَتْلَهُ.
• وَخَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا:
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانُ بْنُ
عَفَّانَ، نُقَدِّمُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ كَمَا قَدَّمَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ، ثُمَّ
بَعْدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَصْحَابُ الشُّورَى الْخَمْسُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدٌ،
كُلُّهُمْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ وَكُلُّهُمْ إِمَامٌ.
وَنَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا: "كُنَّا نَعُدُّ
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ، وَأَصْحَابُهُ
مُتَوَافِرُونَ: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ نَسْكُتُ".
• ثُمَّ مِنْ بَعْدِ أَصْحَابِ الشُّورَى أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَدْرِ الْهِجْرَةِ
وَالسَّابِقَةِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا.
• ثُمَّ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثَ
فِيهِمْ، كُلُّ مَنْ صَحِبَهُ سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا أَوْ سَاعَةً أَوْ
رَآهُ، فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ، لَهُ مِنَ الصُّحْبَةِ عَلَى قَدْرِ مَا صَحِبَهُ،
وَكَانَتْ سَابِقَتُهُ مَعَهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظْرَةً،
فَأَدْنَاهُمْ صُحْبَةً هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ،
وَلَوْ لَقُوا اللَّهَ بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَحِبُوا
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَوْهُ وَسَمِعُوا مِنْهُ وَمَنْ
رَآهُ بِعَيْنِهِ وَآمَنَ بِهِ وَلَوْ سَاعَةً أَفْضَلَ بِصُحْبَتِهِ مِنَ
التَّابِعِينَ وَلَوْ عَمِلُوا كُلَّ أَعْمَالِ الْخَيْرِ.
• وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلْأَئِمَّةِ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَمَنْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ
عَلَيْهِ وَرَضُوا بِهِ. وَمَنْ غَلَبَهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً
وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
• وَالْغَزْوُ مَاضٍ مَعَ الْأُمَرَاءِ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لَا يُتْرَكُ.
• وَقِسْمَةُ
الْفَيْءِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ إِلَى الْأَئِمَّةِ مَاضٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ
يَطْعَنَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُنَازِعَهُمْ، وَدَفْعُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ
جَائِزَةٌ وَنَافِذَةٌ، مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ بَرًّا كَانَ
أَوْ فَاجِرًا.
• وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ خَلْفَهُ وَخَلْفَ مَنْ وَلَّى جَائِزَةٌ
تَامَّةٌ رَكْعَتَيْنِ، مَنَ أَعَادَهُمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، تَارِكٌ
لِلْآثَارِ، مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، لَيْسَ لَهُ مِنْ فَضْلِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ
إِذَا لَمْ يَرَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ مَنْ كَانُوا بَرِّهِمْ
وَفَاجِرِهِمْ، فَالسُّنَّةُ أَنَّ تُصَلِّيَ مَعَهُمْ رَكْعَتَيْنِ، مَنَ أَعَادَهُمَا
فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَتَدِينُ بِأَنَّهَا تَامَّةٌ، وَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ
مِنْ ذَلِكَ شَكٌّ.
• وَمَنْ خَرَجَ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ
كَانَ النَّاسُ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْخِلَافَةِ بِأَيِّ
وَجْهٍ كَانَ بِالرِّضَا أَوْ بِالْغَلَبَةِ فَقَدْ شَقَّ هَذَا الْخَارِجُ عَصَا
الْمُسْلِمِينَ، وَخَالَفَ الْآثَارَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ عَلَيْهِ مَاتَ مِيتَةَ جَاهِلِيَّةٍ.
• وَلَا يَحِلُّ قِتَالُ السُّلْطَانِ وَلَا الْخُرُوجُ عَلَيْهِ
لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عَلَى
غَيْرِ السُّنَّةِ وَالطَّرِيقِ.
• وَقِتَالُ اللُّصُوصِ وَالْخَوَارِجِ جَائِزٌ إِذَا
عَرَضُوا لِلرَّجُلِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَ عَنْ
نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَيَدْفَعَ عَنْهَا بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ
لَهُ إِذَا فَارَقُوهُ أَوْ تَرَكُوهُ أَنْ يَطْلُبَهُمْ وَلَا يَتْبَعَ
آثَارَهُمْ، لَيْسَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْإِمَامِ أَوْ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ،
إِنَّمَا لَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، وَيَنْوِي
بِجَهْدِهِ أَنْ لَا يَقْتُلَ أَحَدًا، فَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ فِي دَفْعِهِ عَنْ
نَفْسِهِ فِي الْمَعْرَكَةِ فَأَبْعَدَ اللَّهُ الْمَقْتُولَ، وَإِنْ قَتَلَ هَذَا
فِي تِلْكَ الْحَالِ وَهُوَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ رَجَوْتُ لَهُ
الشَّهَادَةَ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ وَجَمِيعِ الْآثَارِ فِي هَذَا
إِنَّمَا أُمِرَ بِقِتَالِهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ وَلَا اتِّبَاعِهِ، وَلَا
يُجْهِزْ عَلَيْهِ إِنْ صُرِعَ أَوْ كَانَ جَرِيحًا، وَإِنْ أَخَذَهُ أَسِيرًا
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَا يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَلَكِنْ
يَرْفَعُ أَمْرَهُ إِلَى مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ فَيَحْكُمُ فِيهِ.
• وَلَا يَشْهَدُ عَلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِعَمَلٍ
يَعْمَلُهُ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ، يَرْجُو لِلصَّالِحِ، وَيَخَافُ
عَلَيْهِ، وَيَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ الْمُذْنِبِ، وَيَرْجُو لَهُ رَحْمَةَ
اللَّهِ.
°
وَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِذَنْبٍ يَجِبُ لَهُ بِهِ النَّارُ تَائِبًا غَيْرَ
مُصِرٍّ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَتُوبُ عَلَيْهِ وَيَقْبَلُ
التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ.
°
وَمَنْ لَقِيَهُ وَقَدْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ ذَلِكَ الذَّنْبِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ
كَفَّارَتُهُ كَمَا جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
°
وَمَنْ لَقِيَهُ مُصِرًّا غَيْرَ تَائِبٍ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي قَدِ اسْتَوْجَبَ
بِهَا الْعُقُوبَةَ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ،
وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ.
°
وَمَنْ لَقِيَهُ كَافِرًا عَذَّبَهُ وَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ.
• وَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَا وَقَدْ أُحْصِنَ إِذَا
اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَجَمَتِ الْأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ.
• وَمَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ أَبْغَضَهُ لِحَدَثٍ كَانَ مِنْهُ
أَوْ ذَكَرَ مَسَاوِئَهُ كَانَ مُبْتَدِعًا، حَتَّى يَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمْ
جَمِيعًا، وَيَكُونَ قَلْبُهُ لَهُمْ سَلِيمًا.
• وَالنِّفَاقُ هُوَ الْكُفْرُ، أَنْ يَكْفُرَ
بِاللَّهِ وَيَعْبُدَ غَيْرَهُ، وَيُظْهِرَ الْإِسْلَامَ فِي الْعَلَانِيَةِ،
مِثْلَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ» هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ، نَرْوِيهَا كَمَا
جَاءَتْ وَلَا نُفَسِّرُهَا.
وَقَوْلُهُ: "لَا
تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"، وَمِثْلُ: "إِذَا
الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي
النَّارِ"، وَمِثْلُ: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ
كُفْرٌ"، وَمِثْلُ: "مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ فَقَدْ
بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا"، وَمِثْلُ: "كُفْرٌ بِاللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ،
وَإِنْ دَقَّ".
وَنَحْوُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مِمَّا قَدْ صَحَّ
وَحُفِظَ فَإِنَّا نُسَلِّمُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ تَفْسِيرُهَا، وَلَا
يُتَكَلَّمُ فِيهِ وَلَا يُجَادَلُ فِيهِ وَلَا تُفَسَّرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ
إِلَّا بٍمِثْلِ مَا جَاءَتْ، وَلَا نَرُدُّهَا إِلَّا بِأَحَقِّ مِنْهَا.
• وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ، قَدْ
خُلِقَتَا، كَمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْرًا،
وَرَأَيْتُ الْكَوْثَرَ، وَاطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ لِأَهْلِهَا
كَذَا، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ كَذَا، وَرَأَيْتُ كَذَا»، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا لَمْ تُخْلَقَا فَهُوَ
مُكَذِّبٌ بِالْقُرْآنِ وَأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَلَا أَحْسِبُهُ يُؤْمِنُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ.
• وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُوَحِّدًا يُصَلَّى
عَلَيْهِ وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ، وَلَا تُتْرَكُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ
لِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ".اهـ.
["شرح أصول
اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة" للالكائيّ، (185،176/1، 317)]