«فِتْنَةُ
الدَّجَالِ»
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ اللهُ
تَعَالَى:
"حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو الْعَبَّاسِ الدِّمَشْقِيُّ بِمَكَّةَ إِمْلَاءً،
قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ -قَاضِي حِمْصَ- قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ
نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ
سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى
ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا
فَسَأَلْنَاهُ.
فَقُلْنَا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ! ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ الْغَدَاةَ، فَخَفَضْتَ فِيهِ وَرَفَعْتَ
حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ.
قَالَ:
((غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ مِنِّي
عَلَيْكُمْ، فَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ
يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي
عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ جَعْدٌ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ،
وَإِنَّهُ يَخْرُجُ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ، وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا
وَشِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ، اثْبُتُوا)).
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟
قَالَ: ((أَرْبَعِينَ يَوْمًا: يَوْمٌ
كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ
كَأَيَّامِكُمْ)).
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَذَلِكَ الْيَوْمُ
الَّذِي هُوَ كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؟ قَالَ: ((لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ)).
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَمَا إِسْرَاعُهُ
فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: ((كَالْغَيْثِ
اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ)).
قَالَ: ((فَيَمُرُّ
بِالْحَيِّ فَيَدْعُوهُمْ فَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ،
وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، وَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ وَهِيَ أَطْوَلُ مَا
كَانَتْ ذُرًى وَأَمَدُّهُ خَوَاصِرَ وَأَسْبَغُهُ ضُرُوعًا، وَيَمُرُّ بِالْحَيِّ
فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَتَتْبَعُهُ أَمْوَالُهُمْ،
فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْءٌ، وَيَمُرُّ
بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا
كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ)).
قَالَ: ((وَيَأْمُرُ
بِرَجُلٍ فَيُقْتَلُ فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ
الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ إِلَيْهِ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ)).
قَالَ: ((فَبَيْنَا
هُوَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ
عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا
يَدَهُ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، فَيَتْبَعُهُ فَيُدْرِكُهُ فَيَقْتُلُهُ عِنْدَ
بَابِ لُدٍّ الشَّرْقِيِّ)).
قَالَ: ((فَبَيْنَا
هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ: إِنِّي قَدْ
أَخْرَجْتُ عِبَادًا مِنْ عِبَادِي لَا يَدَانِ لَكَ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ
عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ كَمَا
قَالَ اللَّهُ: ﴿مِنْ
كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾، فَيَرْغَبُ عِيسَى
وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي رِقَابِهِمْ
فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، فَيَهْبِطُ عِيسَى
وَأَصْحَابُهُ فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ بَيْتًا إِلَّا قَدْ مَلَأَهُ
زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ،
فَيُرْسِلُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ، فَتَطْرَحُهُمْ
حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ)).
قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: فَحَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ
يَزِيدَ السَّكْسَكِيُّ، عَنْ كَعْبٍ -أَوْ غَيْرِهِ- قَالَ: ((فَتَطْرَحُهُمْ بِالْمَهْبِلِ)).
قَالَ ابْنُ جَابِرٍ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا يَزِيدَ،
وَأَيْنَ الْمُهَبَّلُ؟ قَالَ: مَطْلَعُ الشَّمْسِ.
قَالَ: ((وَيُرْسِلُ
اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ أَرْبَعِينَ
يَوْمًا، فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَقَةِ، وَيُقَالُ
لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ)).
قَالَ: ((فَيَوْمَئِذٍ
يَأْكُلُ النَّفَرُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا،
وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ حَتَّى إِنَّ اللَّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي
الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللَّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ تَكْفِي الْفَخِذَ،
وَالشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ تَكْفِي أَهْلَ الْبَيْتِ)).
قَالَ: ((فَبَيْنَا
هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ
رُوحَ كُلِّ مُسْلِمٍ)).
أَوْ قَالَ: ((كُلِّ
مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ تَهَارُجَ الْحَمِيرِ،
وَعَلَيْهِمْ)).
أَوْ قَالَ: ((وَعَلَيْهِ
تَقُومُ السَّاعَةُ))".
[مُسْند أحمد:
(17629)، مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ، حَدِيثُ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ
الْكِلَابِيِّ الْأَنْصَارِيِّ، إسناده صحيح على شرط مسلم]